الصفحة الرئيسية  اقتصاد

اقتصاد خطير: لماذا تتستر الدولة عن تهريب مئات المليارات من العملة الصعبة؟

نشر في  24 سبتمبر 2014  (12:19)

تطالعنا الأنباء من حين إلى آخر عن خبر القبض على مهربين ألقي عليهم القبض وهم بصدد تهريب مبالغ خيالية من العملة الصعبة تتفاوت خلالها القيمة من شخص إلى آخر وتتم الإشارة إلى أنه وقع الاحتفاظ بالمحجوز من العملة وإيداعه الخزينة العامة للبلاد التونسية، لكن السؤال الأبرز والأهم هو ماهي وجهة هذه الأموال ومصدرها ومن المستفيد؟ أسئلة كثيرة تم تجاهلها.
فمن يقف وراء عمليات التهريب هذه؟ وماهي مصادر الأموال التي تجاوزت في كثير من الأحيان المليارات من مليماتنا؟ وكيف لا يمكن أن تكون هذه الأموال مجهولة المصدر معدة على الأقل في جزء منها لتمويل الإرهاب أو لاستغلالها للحملات الانتخابية؟

تتالت منذ الأشهر الأولى التي تلت الثورة أخبار القبض على مهربين لعملات أجنبية، ففي سنة 2012 مثلا أمكن لأعوان الديوانة بمطار قرطاج إحباط عملية تهريب 24مليون أورو أي ما يعادل 48مليار من مليماتنا إلى دبي وقد تورط في تلك العملية جزائريان، والغريب أنه وبتاريخ 27 نوفمبر 2013 تم إلقاء القبض على شخص وبحوزته أكثر من مليار أورو أي مليارين أو تزيد من مليماتنا كان يخفيها في أكياس وذلك اثر مداهمة منزله بمنطقة فريانة من ولاية القصرين وبالتحقيق معه تبين أنه يقطن منزلا متواضعا ويشتغل بالتهريب فمن أين تحصل على كل هذه الأموال؟
كما تمكنت الوحدات الأمنية في مدنين ذات يوم في نوفمبر 2013 من حجز مبلغ مالي بقيمة مليون ونصف اورو أي ما يعادل 3 مليون دينار لدى مواطن تونسي كان متوجها الى معتمدية بن قردان.
وفي جوان الماضي تمكن أعوان وإطارات المصلحة الثالثة للطرقات السيارة بالوسط لحرس المرور من حجز كمية هامة من العملة الصعبة تقدر ب300 ألف أورو أي ما يعادل 600 ألف دينار تونسي في سيارة خاصة متجهة نحو القطر الليبي. وكنا في أخبار الجمهورية قد نشرنا تفاصيل عملية تهريب من الحجم الثقيل تتمثل في حجز قوات الجيش الوطني مبلغا من العملة الصعبة قدرت قيمته بـ10 ملايين أورو غير مزورة (أي قرابة 20 مليارا من مليماتنا) مخبأة داخل شاحنة خفيفة لا تحمل لوحة منجمية وذلك بمنطقة أم الشراكات الحدودية مع ليبيا.

ماخفي كان أعظم

يقول مثلنا الشعبي «اللي يسرق يغلب اللي يحاحي»، ونحن نقول ما خفي كان أعظم، فالظاهر أن ما تمكنت السلط الأمنية والديوانية من حجزه هو النزر القليل من أموال وعملات يقع تهريبها وتستفيد منها الجمعيات والأحزاب أو شبكات تهريب الأسلحة وتمويل الإرهاب وهو ما أشار إليه إبراهيم الميساوي رئيس الجمعية التونسية لمكافحة الفساد الذي أفادنا أن الأموال المحجوزة يقع إيداعها في خزينة الدولة وبالتالي تستفيد منها المجموعة الوطنية لكن الخطر في المسألة هو الاكتفاء بالمحاضر الديوانية وتصنيفها كقضايا جمركية في حين أننا لا نعلم هوية المستفيدين من هذه الأموال ولا في ما كانت ستصرف خاصة وأن المهربين عادة لا تتعدى مهمتهم تهريب هذه الأموال التي ليست على ملكهم، فهم مجرد ناقلون لها.وأكد الميساوي أن هناك هشاشة مفرطة في التعامل مع مثل هذه القضايا وأنه لا بد من فتح تحقيقات جدية وإطلاع الرأي العام عليها لا الاكتفاء بحجز العملة المهربة وأحالة المتهمين على القضاء بتهمة تهريب عملة.


وزارة العدل تسوّغ مقرا من أحد المهربين؟!

الثابت أن تكرر وتعدد عمليات تهريب العملة وبمبالغ خيالية أحيانا يطرح أكثر من سؤال حول مآل هذه الأموال في غياب أية رقابة ينبه ابراهيم الميساوي من استغلال بعض الأحزاب المترشحة للانتخابات هذه الأموال متسائلا: «هناك مكاتب وحملات انتخابية تكلف أصحابها الملايين دون أن تكشف لنا عن مصادر تمويلها ولا تجد على مواقعها الرسمية أي أثر لميزانياتها ويضيف: «نحن كجمعية لا نستغرب أن يتسلل المال الفاسد المتأتي من التهريب إلى رجال السياسة ما دامت الحكومات المتعاقبة وفي ظل قضاء غير مستقل برأت نظام بن علي بكامله وهو بالتالي غير قادر على إيقاف نزيف التهريب الذي سيكون له تأثير على العملية الديمقراطية أكثر من ذلك كشف لنا إبراهيم الميساوي أن وزارة العدل تسوغت عمارة من أحد أباطرة التهريب بمدينة القصرين دون أن تتحرى عن مصدرها بل أن الكنام أيضا تسوغت من نفس الشخص عمارة تستغلها لإدارتها الجهوية وتسائل الميساوي: «الجميع يعلم أن هذا الشخص هو أحد أباطرة التهريب بالمنطقة بل إنه يفاخر بذلك والكل يعلم في القصرين أنه جمع ثروته من التهريب. وعلق: «إذا كانت الدولة ممثلة في مؤسساتها كوزارة العدل تساهم في تبييض أموال المهربن فمابالك بالأحزاب والجمعيات؟».

البنوك الموازية


يتحدث كثيرون عن بنوك موازية تقوم مقام البنوك النظامية تعمد الى صرف العملات وبتهريبها خارج الحدود حيث يستغلها المهربون في استيراد البضائع من الصين ودبي وغيرها وعادة ما تتجاوز بعض المبالغ المليار أورو لكن الأخطر من ذلك هو ما أشارت إليه صحيفة الخبر الجزائرية حيث أفادت أن الجزائر حذرت مؤخرا السلطات التونسية من تواطؤ بعض بنوكها في تهريب مبالغ كبيرة من العملة الصعبة، منها مبالغ تخص رجال أعمال ومستثمرين أجانب بالجزائر، لهم صلة ومصالح بشخصيات تونسية. واكدت الصحيفة ان مصالح الاستعلام المالي بالجزائر وبالتنسيق مع نظيرتها التونسية، فتحت تحقيقا حول خلايا تهريب الأموال من العملة الصعبة من الجزائر إلى تونس، وذلك بعد أن تمكن أعوان الديوانة التونسية من أحباط محاولة تهريب 1.5 مليون أورو بمنطقة قلعة سنان خلال شهر أوت الماضي.
فهل تنكشف أمامنا في يوم ما حقيقة هذه الأموال المهربة أم نظلّ مجرد متفرجين في سيرك قوامه الفساد المالي والمبالغ الخيالية والمشبوهة؟

تحقيق: عبد اللطيف العبيدي